نجح فريق بحثي من كلية الطب البشري بجامعة القدس في نشر ملخص بحث علمي في مجلة CHEST العالمية، المصنّفة ضمن المجلات Q1 في مجال طب وأمراض الصدر والعناية التنفسية، وبعامل تأثير علمي مرتفع يقارب 9 وفق تقارير Clarivate.
وتألف الفريق من: د. صلاح الدين ديب، د. محمد العموري، د. مهند سماحين، د. معن محمد، د. يوسف حابس، وبإشراف د. نسرين رومان،
كما عُرض البحث في مؤتمر CHEST 2025 في مدينة شيكاغو – الولايات المتحدة، وهو أحد أهم المؤتمرات العالمية المتخصصة في طب الصدر وجراحة القلب والصدر.
وجاء موضوع الدراسة بعنوان “تشوّهات نادرة في الشريان الأورطي (الحلقات الوعائية)”، حيث تناولت تشوّهات خلقية نادرة في قوس الشريان الأورطي تُعرَف باسم الحلقات الوعائية (Vascular Rings)، وهي تشوّهات يلتف فيها الشريان الأورطي أو فروعه حول القصبة الهوائية والمريء، مما قد يؤدي إلى صعوبة في التنفس، صرير تنفسي مزمن عند الرضّع، صعوبة في الرضاعة أو البلع، سعال متكرر أو التهابات رئوية متكرّرة.
وتُعتَبر هذه الحالات نادرة عالميًا، مع معدل حدوث يقارب حالة واحدة لكل 10,000 ولادة حيّة، لكن أهميتها تكمن في أنها قد تُشخَّص بالخطأ كأمراض رئوية أو هضمية شائعة، مما يؤخّر التدخل الجراحي المناسب.
واعتمد الباحثون على دراسة استعادية (Retrospective Study)، قاموا فيها بمراجعة ملفات 73 مريضًا تم تشخيصهم بـ الحلقات الوعائية وعلاجهم في مستشفى المقاصد – القدس خلال الفترة الممتدة من 2013 حتى 2023.
وشملت البيانات التي جُمعت: المعلومات الديموغرافية (العمر، الجنس…)،الأعراض السريرية عند الحضور لأول مرة، الفحوصات التشخيصية المستخدمة (أشعة، تصوير طبقي، رنين…)، نوع الحلقة الوعائية لكل مريض، طريقة التدخل الجراحي، النتائج بعد الجراحة والمتابعة.
واستخدم الفريق مزيجًا من التحليل الوصفي والاستدلالي للبيانات، بهدف فهم الصورة السريرية، ودقة وسائل التشخيص المختلفة، والعوامل المرتبطة بتحسن الأعراض بعد الجراحة.
أبرز النتائج: أهمية التشخيص المبكر والجراحة الموجَّهة
وبينت نتائج الدراسة أن ندرة المرض لا تعني غياب الحالات، وقد كان أشيع تشوّه هو القوس الأبهري المزدوج (Double Aortic Arch)، يليه القوس الأبهري الأيمن مع شريان تحت ترقوي أيسر شاذ.
وأشارت النتائج إلى أن غالبية المرضى بدأت أعراضهم في عمر مبكّر جدًا (أسابيع إلى أشهر من العمر)، لكن التشخيص الفعلي تأخّر عدة أشهر في عدد كبير من الحالات، غالبًا بسبب تشخيصات مبدئية خاطئة دون استخدام تصوير متقدم، كما تبيّن أن التصوير المقطعي المحوسب مع حقن الصبغة (CT Angiography) هو الأدق في تحديد نوع التشوّه، مع حساسية تشخيصية مرتفعة جدًا، مما يدعم التوصية باللجوء إليه مبكرًا في حالات الأعراض التنفسية أو الهضمية غير المفسَّرة.
ونوهت الدراسة إلى أن إجراء Aortopexy حقّق أعلى نسبة من زوال الأعراض بشكل كامل مقارنة بالإجراءات الأخرى، بالإضافة لتحسّن الأعراض لدى غالبية المرضى بعد الجراحة، حيث كانت نسبة الوفيات منخفضة جدًا، مما يعكس مستوى متميزًا من الرعاية الجراحية والعناية الحثيثة في مستشفى المقاصد.
الدلالة الإكلينيكية والبحثية: من القدس إلى المنصّات العالمية
وأكد الفريق البحثي أن أهمية هذه الدراسة تأتي انطلاقًا من ضرورة توثيق خبرة فلسطينية على مدى عشر سنوات في التعامل مع حالات نادرة ومعقدة، ووضعها في إطار علمي منظم منشور في إحدى أقوى المجلات العالمية، بحيث يتم إتاحة قاعدة بيانات يمكن البناء عليها لاحقًا في أبحاث أوسع، أو مقارنات مع مراكز في دول أخرى، مما يفتح الباب لتعاون علمي دولي انسجامًا مع رسالة جامعة القدس في خدمة المجتمع والارتقاء بالبحث العلمي.
وشدد الباحثون أن هذا العمل هو نقطة انطلاق لمشاريع بحثية أخرى في مجالات جراحة القلب والصدر وأمراض التنفس عند الأطفال، بهدف تحسين جودة الرعاية الطبية المقدمة لمرضى فلسطين.
ويُجسّد هذا الإنجاز رؤية جامعة القدس في دمج التعليم السريري بالبحث العلمي، وتمكين الطلبة والأطباء المقيمين من المشاركة الفعلية في إنتاج المعرفة وليس فقط تلقيها، وتوجيه الأبحاث نحو قضايا صحية تمس الواقع الفلسطيني مباشرة، خاصة في ظل محدودية الموارد والمعوّقات المعروفة في القطاع الصحي.
رابط البحث على موقع المجلة:
https://journal.chestnet.org/article/S0012-3692(25)00982-1/fulltext
هذا وتُعد مجلة CHEST المجلة الرسمية لـ American College of Chest Physicians، وتحظى بمكانة رفيعة بين مجلات الجهاز التنفسي والعناية المكثفة على مستوى العالم، من حيث عامل التأثير، قوة التحكيم العلمي، وانتشار الأبحاث المنشورة فيها بين الأطباء والباحثين. أما مؤتمر CHEST السنوي، الذي عُقد هذا العام في مدينة شيكاغو، فهو من أبرز الفعاليات العلمية في مجال الصدر، ويجمع كبار الخبراء في أمراض الرئة، العناية الحثيثة، وجراحة القلب والصدر من مختلف دول العالم.
ويأتي قبول ملخص من فلسطين للعرض في جلسات هذا المؤتمر بمثابة اعتراف دولي بجودة العمل البحثي الذي يُنتَج في جامعة القدس ومستشفياتها التعليمية.












