مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة يعقد ندوة خاصة لمناقشتها وتكريم بطليها الاسيرين المحررين موسى الشيخ ومحمد البيروتي
" الشمس تولد من الجبل " … رواية ملحمية تأريخية توثق مراحل هامة من النضال الوطني … من منافي الشتات الى مخاض التجربة الاعنقالية
هي البطولات المنسية ، صمودا وإبداعا ، نضالا وعطاء وتضحيات تلك التي سطرها رجال ونساء عظام من ابناء شعبنا في منافي الشتات وفي الطريق الى فلسطين .. الوطن الذي ليس لنا سواه وفي ارض الصراع وخلف جدران زنازين ومعتقلات الاحتلال ،
الذي اراد ولا زال يريد دفن هذا المارد العملاق مارد الحرية الفلسطيني ومارد الارادة الانسانية الصلبة التي لا تلين، لتطل علينا اليوم ملحمة " الشمس تولد من الجبل " لبطليها الاسيرين المحررين موسى الشيخ ومحمد البيروتي اللذين ينقلاننا عبرها الى صفحات مشرقة من مسيرة ابناء شعبنا نحو الحرية والاستقلال .. صفحات كفاحية واخرى انسانية بنفس قامة ابطالها الشامخة . وليس غريبا ان تبدأ احداث ملحمة الشمس هذه قبل عقود تماما كملحمة الشهيد غسان كنفاني " رجال في الشمس " لتلتقي اليوم مع قرية " باب الشمس " و"الكرامة" و "المناطير " ، في نماذج ابداعية للنضال الوطني وفي رمزية عميقة للتشبث بالارض وباتجاه بوصلة هذا النضال ، فهي الشمس الفلسطينية التي لا تستطيع اسرائيل وكل حلفائها تغطيتها بغربال ، تشرق كل يوم ارادة وكرامة وتحديا لكل هذه الغطرسة الاسرائيلية وفوق كل هذا تثبت للعالم اجمع انسانية وأخلاقية هذا النضال الفلسطيني ..
وفي هذه الحلقة سنتناول وقائع الندوة التي نظمها مركز أبو جهاد في قاعة بلدية البيرة لمنقاشه رواية الاسيرين المحررين موسى الشيخ ومحمد البيروتي، " الشمس تولد من الجبل " ولتكرميهما على هذا الابداع ، وذلك وسط حضور مميز ومهتم بحالة الاسرى الفلسطينيين، وحالة الرواية الفلسطينية كوزير شؤون الاسرى والمحررين الاستاذ عيسى قراقع والأديب أحمد دحبور والأستاذ نبيل عمرو ، والأستاذ د. سمير شحادة وجمهور من الحضور.
الشمس تولد من الجبل، هي رواية سردية هامة، تنتمي إلى جنس الروايات التوثيقية، وتقع في ثلاثمائة وأربع صفحات من الحجم المتوسط، موزعة على سبعة وثلاثين فصلاً، قدّم لها د. فهد أبو الحاج مدير عام مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس.
كلمة د. فهد أبو الحاج.
مدير عام مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة.
إفتتحت الندوة بكلمة د. فهد أبو الحاج مدير عام مركز أبو جهاد، والتي رحب فيها بالحضور، حيث قال: "الشمس تولد من الجبل، رواية أدبية تحكي قصة شاب فلسطيني نشأ في بيئة ريفية في قرية (عقربا) شرق مدينة نابلس، وسافر إلى الكويت بحثاً عن عمل ليساعد به نفسه وعائلته، ويصف لنا الراوي والكاتب البيئة التي نشأ فيها بطل الرواية (موسى أبو كبر)، والمفاهيم والقيم التي شكلت منظومة الوعي لدية، ومواجهته للحياة ومتاعبها بخبرة وتجربة الفتى اليافع، وتشكُل وعيه الوطني مرتبطاً بالأحداث التي سمعها عن نكبة 1948م، وما رافقها من قيام (إسرائيل) بطرد لسكانها الفلسطينيين ليصبحوا لاجئين في وطنهم وخارجه، وشعور العرب بالإهانة نتيجة عدم قدرتهم على تحرير فلسطين وبقيت هذه الأحداث وأحاديث رجال القرية في مضافاتهم ومناسباتهم، عنها كامنة في وعي البطل، لتتفجر في أول فرصه أتيحت له، ويلتحق بجيش التحرير الفلسطيني، ويحقق أحلام الطفولة في تحرير الوطن".
وتتنقل الرواية في سّرد الأحداث التاريخية، التي مرت بها القضية الفلسطينية، من الإعلان عن تشكيل منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل جيش التحرير الفلسطيني عام 1964م، إلى قيام حرب حزيران 1967م، إلى حرب الكرامة في آذار 1968م، إلى إلتحاق بطل الرواية بفصائل المقاومة الفلسطينية وإستقراره في حركة فتح، ويتحدث البطل عن مقاومة الإحتلال والمواجهات والمعارك والبطولات التي كان يجترحها الفدائيين.
وتعرض الرواية وقائع المعركة التي أسر فيها بطلها في منطقة طوباس، ليبدأ رحلته مع الأسر وينقلنا الكاتب والراوي إلى أجواء حياة الأسرى الفلسطينيين داخل المعتقلات الإسرائيلية، حيث التعذيب والقهر والقمع التي تمارسها إدارة المعتقلات الإسرائيلية ضد الأسرى، ونعيش مع البطل كافة المعارك النضالية والمواجهات مع سلطات المعتقلات، وعن طبيعة العلاقات الداخلية في المعتقلات بين الأسرى وبلورة الوعي الفصائلي وتطوره وصولاً إلى تحرره من الأسر في عملية تبادل للأسرى في 24/11/1983م.
إن مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس، الذي قام بتبني ونشر هذه الرواية، أخذ على عاتقه القيام بعملية توثيق لتجربه الحركة الأسيرة في المعتقلات الإسرائيلية، حتى تكون عنواناً للبحث في شؤون الحركة الأسيرة، ولكي نحافظ على هذا الإرث النضالي ونحفظه من الضياع، ونضعه بتصرف الأجيال القادمة للإستفادة من هذه التجربة الغنية والعظيمة لأنها تشكل تجربة كفاح الشعب الفلسطيني على مر عقود من الزمن من أجل الحرية والإستقلال، وفي هذا السياق فأن مركز أبو جهاد لشؤون الحركة الأسيرة في جامعة القدس، يحتوي على متحف لعرض تراث الحركة الأسيرة الفني والمدون من رسائل تنظيمية ورسائل شخصية وأعمال فنية يدوية، وطريقة العرض في المتحف تبين معاناة الأسرى في معتقلات الإحتلال، وخروقات السلطات الإسرائيلية للقانون الدولي وحقوق الإنسان الفلسطيني.
كما يقوم المركز بالإضافة إلى تجميع هذا التراث ببناء أرشيف وبنك معلومات لتجربة الأسر بشكل عام بحيث يحافظ على التاريخ الكفاحي للشعب الفلسطيني ويحفظه من الضياع لكي يشكل مادة علمية للبحث وإستخلاص العبر.
وفي هذا الإطار فإن المركز يقوم بتنفيذ مشروع جمع ملفات الأسرى الموجودة لدى المحامين الإسرائيليين والفلسطينيين وتوثيقها وحفظها في أرشيف خاص يُغني مكتبة المركز، ويساعد في تأريخ الكفاح الفلسطيني.
كما ويقوم المركز بنشر تجارب الأسرى في صحيفة القدس، وحفظها في مكتبة المركز والجامعة، ونقوم بتوثيقها من أجل إنشاء موسوعة (تاريخ الحركة الوطنية الأسيرة) كما يقوم المركز بإحياء المناسبات الوطنية المتعلقة بالحركة الأسيرة والمشاركة في النشاطات الداعمة لنضال الأسرى وقضاياهم في المعتقلات الإسرائيلية، ومواكبة أوضاعهم والقيام بنشاطات تضامنية معهم.
وبهذه المناسبة فأنني أدعو كافة الأسرى إلى القيام بكتابة تجاربهم وتوثيقها، ونحن على أتم الإستعداد للتعاون معهم في طباعتها ونشرها.
وفي الختام لا بد لي من تقديم جزيل الشكر للكاتب الأخ محمد البيروتي، وبطل الرواية الأخ موسى أبو كبر، على الجهد العظيم الذي بذلاه مع بقية الإخوة الآخرين الذين شجعوهما على إنجاز هذا العمل العظيم، كالأخ (حافظ أبو عباية) والأخ (ياسر هدى) كما إنني أقدم جزيل شكري وعرفاني وتقديري لإدارة البنك الإسلامي العربي، ممثلاً بمديره العام الأخ سامي الصعيدي، والأخ إبراهيم ابو ريدة، مساعد مدير عام البنك، ومدير فرع منطقة رام الله والبيرة، على قرارهما بتمويل طباعة هذه الرواية، جزاهم الله كل خير، وأبقاهم رواداً للعمل الصالح، كما وأشكر رئيس بلدية البيره المهندس فوزي عابد، ونائبه الأستاذ جمال شلطف، على تكرمهما بتوفير هذه القاعة لنا لتنظيم هذه الندوة.
كلمة وزير الأسرى والمحررين.
عيسى قراقع.
في البداية أود أن أشكر مركز أبو جهاد على هذه المبادرة القيمة، بطباعته لهذا العمل الثقافي المميز، والذي يوثق جزءاً هاماً من تجربة الحركة الوطنية الأسيرة، كما وأحيي جهود الأخ المناضل محمد البيروتي بتفرغه لإنجاز هذا العمل، وأحيي الأخ موسى الشيخ، على تفضله بمنحنا هذا النص الإستثنائي من سفر التضحيات، وهي تجربة تستحق التقدير والإحترام والثناء، لأنه سيكون لها ما بعدها في مضمار التوثيق والسرد الأمين لتفاصيل المسيرة الوطنية، وستؤسس لإطلاق أكبر عملية توثيق لتجارب المناضلين والمناضلات من الذين مروا بتجربة الأسر في المعتقلات الإسرائيلية، وستحفز أسرى ومناضلون آخرون للقيام بأعمال مشابه.
الشمس تولد من الجبل، هي رواية الكتيبة الفدائية رقم (421)، وهي كتيبة المغاوير الفلسطينيين الذين إلتحقوا بجيش التحرير الفلسطيني في جمهورية العراق الشقيق، وكان موسى الشيخ واحداً منهم، بعد أن عمل خادماً لدى إحدى الأسر الكويتية، وعمل في مطعماً شعبياً، لكنه قرر خلع مئزره والإلتحاق بجيش التحرير بعد أن شاهد إعلاناً لجيش التحرير يطلب فيه متطوعين، وقال محدثاً نفسه (البلاد طلبت أهلها) وقال لصاحب المطعم، لم أخلق لتنظيف الأواني والأطباق، إنما خلقت لكي أصبح فدائياً من أجل تحرير فلسطين، وكان هذا رداً بليغاً على الإدعاء الصهيوني بأن الشعب الفلسطيني هو مجموعة من الحطابين والسقائين.
الشمس تولد من الجبل، هي رواية الثقة بالنفس للفدائي الذي أجتاز التحدي، ونجح في القفز من فوق جسر الأعظمية، بل وحظيت كل كتيبة موسى الشيخ (421) بفخر وإعتزاز قادة الجيش العراقي، ومنحوها عن بكرة أبيها (وسام الرافدين) بعد نجاحها في تنفيذ كامل مقررات التدريب العسكري الشاق بنجاح وإقتدار.
الشمس تولد من الجبل، وثقت قصص العمليات الفدائية، وهي تنجح بجلب المزيد من المقاتلين الأغرار، فمنهم من سقط شهيداً على أرض فلسطين، ومنهم من أختفى في مقابر الأرقام الإسرائيلية، ومنهم من إلقي القبض عليه وزج به في المعتقلات المظلمة، ومنهم من عاد ونجا وهو يحمل ذكريات من تراب ورصاص ودماء.
الكاتبان الأسيران المحرران، شاهدان على هدير الدبابات وأصوات الجنازير والموت البطولي في معركة الكرامة التي حققت أول نصر عربي في قرن الهزائم، جثث المقاتلين على الأرض إنبثقت منها أعظم الروايات عن أبطال قرروا القتال حتى الموت، كالشهيد عبد المطلب داود قاسم الدنبك (الفسفوري) الذي فجر الدبابة بجسده، وإبراهيم حسن أبو الحلاوة، وتيسر شريف حسن هواش (أبو الشريف) والشهيد محمد حسن حامد الأسطى (ربحي)، وأحمد عبد السلام الفيتوري (أبو سناره) والرائد خالد، وإبراهيم شمروخ، وقدري أبو بكر، والأمير فهد الأحمد الجابر الصباح، ومطيع أبو الليل، وتيسير سلامة، وسامي حجازي وأبو أنصار، وعبد الكريم البرغوثي، ومحمود الضميري، وحافظ أو عباية، ومحمود الشيخ، وكثيرون غيرهم من الشهداء والأحياء.
الشمس تولد من الجبل، تسلط الضوء على تلك الفترة التي تصاعدت فيها العمليات العسكرية في العمق الفلسطيني في أواخر ستينيات وأوائل سبعينيات القرن الماضي، مستفيدة من قصر فترة الإحتلال في ذلك الوقت وعدم إحكامه السيطرة على الحدود، والكاتبان يستعيدان ذكريات زملائهم المناضلين الذين رحلوا عن الحياة، أو الذين لا زالوا يشرقون بما فيهم من أمل بالحرية والنصر، وهي قصة حب مختلفة، ترك الفدائي فيها حبيبته (فتاة بغداد) معلقة على جسر المُسيب، ليلتحق بالمقاومة الفلسطينية، تاركاً خلفه قلبه وحبه، ووعده بالعودة إلى بغداد بعد أن يُنهي مهمْة تحرير فلسطين، لكنه ذهب ولم يعد، وغاب طويلاً في غياهب المعتقلات، وظلت فتاة بغداد حتى الآن في ذاكرته.
الشمس تولد من الجيل، هي رواية الأسرى في صراعهم مع السجان وقوانين إدارة المعتقلات، معركة الإرادة الإنسانية ضد إدارة الطمس والتصفية النفسية والوطنية، فالمعتقلات المُحبطة كارثة وطنية، وهزيمة المقاتل الفلسطيني لا تحدث في ميدان القتال، هزيمته ستحدث هنا في المعتقل إذا أصابه الإحباط، وإذا أستسلم لإرادة السجان، كما ورد على لسان الكاتبين.
ويخبرنا موسى الشيخ، عن السجان (زيتون) الذي قرأ عليه منطوق حكمه المؤبد والمكرر لثلاث مرات، قائلاً له "ستتعفن في هذا (السجن) حتى بعد موتك يا عكروت"، وحاول ذات يوم إقتلاع عيني موسى من مكانهما، وأغلق زيتون خلف موسى الشيخ ليس باب المعتقل والزنزانة فقط، بل حاول أن يغلق أمامه أبواب الأمل أيضاً، ولكن شاءت الظروف، بأن يقوم زيتون نفسه بعد ستة عشر عاماً بفتح أبواب المعتقل أمام موسى الشيخ ويخبره بنبأ تحره من الأسر، رغم أنفه، وذلك في عملية تبادل الأسرى عام 1983م.
ويقول موسى الشيخ: هي سخرية القدر، إن السجان (زيتون) الذي أغلق علي كل الأقفال إلى أبد الآبدين، أقفال الغرف، أقفال المعتقل، أقفال الأمل، زيتون ذاته يزيل الأقفال والمتاريس، مع كل حرف من أسمي كان يسقط قفلاً، ومع كل مقطع يسقط باباً، ومع كل كلمة يسقط معتقلاً.
الشمس تولد من الجبل، هي رواية الأسرى الأبطال، لأنها تخبرنا عن أبطال الإضرابات عن الطعام كالأسير الشهيد (عبد القادر أبو الفحم) وأبطال رفض أوامر الخروج للعمل المذل في عسقلان، كالأسير البطل الشهيد (عمر الشلبي) الذي سقط تحت الضرب بالهراوات في ساحة معتقل عسقلان، وهو يضع حداً بدمه لعدم العودة للعمل في ورش ومنشات مصلحة المعتقلات الإسرائيلية، ويخبرنا عن أبو علي بسيسو وحواره المفعم بالمعاني الإنسانية مع مدير معتقل عسقلان، وهو يطلب منه حقه وحق الأسرى في رؤية الشمس، قائلاً له "نريد ما منحنا أياه الله من الشمس والهواء" لكن مناحيم بيغن، حذر في غير موضع من سيرته الذاتية (التمرد) من مغبة الإستجابة لطلب الأسرى العرب بالتعرض لأشعة الشمس، أو إستنشاق الهواء النظيف حيث قال " أعطوهم كل شي ما عدا الشمس والهواء".
عندما كنت أسيراً، يتابع الوزير عيسى قراقع حديثه، وأقابل أسرى الدوريات القادمين من خلف الحدود، الذين عبروا نهر الأردن للإشتباك مع العدو، كنت أسال نفسي لماذا لا تكتب ملاحم هؤلاء الرجال في الكتب وتنشر في العالم، وتأخذ شكل الروايات والقصص التي نقرأها داخل الأسر، ويتعرف أبناء شعبنا أولاً على أي نوع من الأبطال أنجبت أمهاتنا، ويتعرف العالم على الطبقات الإنسانية السميكة لكفاحنا، وبقي هذا السؤال ملازماً لي طيلة الوقت، وإلى الآن، وبعد قراءتي لهذه الرواية أعتقد بأنني حصلت على الإجابة، وتحقق رجائي برؤية سيرة الإبطال تؤرخ في الكتب وهي خير حافظ لماضينا المشرف.
أخيراً، على أن أقر بأن هذه الرواية ساهمت في إضافة المزيد من المعلومات التي كنت بحاجة إليها عن الحركة الأسيرة، وعدلت معلومات أخرى كنت أعتقد بأنها كاملة، وهي تجربة لها سماتها الخاصة، كما هي تجربة كل أسير وأسيرة، فعلى الرغم من معرفتي الواسعة بماضي وحاضر الحركة الوطنية الأسيرة إلا إنني ما زلت أتعلم وأتلق المزيد من المعلومات التي تسد نواقص معينة في جدار الملحمة الإنسانية المستمرة (ملحمة الحركة الوطنية الأسيرة) فتعرفنا من خلال موسى الشيخ، على أبطال مجهولين وعرفنا المزيد عن آخرين نعرفهم وقرئنا عنهم، ورفعت هذه الرواية صفحات النسيان بشكل كلي وناجح، وأطلقت عهداً جديداً من سفر الحديث عن ملحمة اللحم والدم، خلف القضبان.
كلمة حافظ أبو عباية.
في البداية أشكر هذا الحضور النوعي والهام على تلبيته لدعوة مركز أبو جهاد لحضور هذه الندوة، لمناقشة رواية الشمس تولد من الجبل، وقد تحدث أخي الوزير عيس قراقع بشكل مؤثر عن قراءته لها، وأنا أقول بأن هذه الرواية هي عبارة عن طود شامخ، كل مدماك فيه هو عبارة عن رواية كاملة متكاملة، سواء عن مدماك تشيكل جيش التحرير الفلسطيني، أو مدماك تأسيس م.ت.ف، أو مدماك دور حركة القوميين العرب وحركة فتح في تصويب بوصله الكفاح الوطني والقومي ضد العدو الإسرائيلي، وإفساد مساعي الدول العربية من وراء تأسيس جيش التحرير نفسه، وهو إحتواء غضبة الشباب العربي والفلسطيني المطالب بتحرير فلسطين.
ولعله من حسن حظي إنني كنت في نفس الكتيبة (421) التي كان فيها موسى الشيخ، وقد خضنا معاً غمار دورة تدريبية مكثفة في كتيبة الصاعقة، وهي جزء من الفرقة الخامسة، في اللواء الثامن من الجيش العراقي، وكان ذلك في منطقة المنصورية شرق العراق ومكثنا في هذا التدريب ستة شهور كاملة.
وخلال التدريب حدث معا وأمامنا العديد من الأمور الهامة والتي لا يمكن نسيانها أبداً، فمع بداية التدريب يُطلب من المتدربين قراءة ورقة، وهي بمثابة إقرار منهم بالموافقة على دخول الدورة وتحمل تبعاتها، والتوقيع عليها بعد الإنتهاء من قراءتها، ومفادها بأن 25% من المشاركون فيها هم في عداد الأموات، وبجانب معسكر التدريب، كان يوجد مصنع أسمنت، وبجواره بركة كبيرة تتجمع فيها مخلفات المصنع من المياه الأسنة والشيد وبداخل هذه البركة الكبيرة تنبت عشبة (القنب) وهي ذات أوراق طويلة جداً ولها شكل الأفاعي العملاقة تحت الماء، ذات يوم وبعد أن طلب منا المدرب القيام بتمارين عسكرية شاقة فوق الإسفلت الملتهب من أشعة الشمس الحارقة في ذاك المكان، حيث صهرت أجساد المتدربُون خلال التمرين من وطأة الحرارة.
ولم تمضي سوء لحظات قليلة على إعلان المدرب عن نهاية التمرين حتى قفز زميلنا في هذه الدورة (مصطفى النجار) إلى داخل البركة المذكورة، حرباً من الحر، لكنه لم يتمكن من الخروج منها لأن نبات القنب قد ألتف حول ساقية، وكلما حاول الخروج من المياه سحبته النباتات إلى داخلها، فلحق به أخوه (إبراهيم النجار) لينقذه، لكنة بقي بجواره فلحق بهما إبن عمهما (محمد النجار) وإستشهد الثلاثة في نفس الساعة، وقد تسبب هذا الحادثة بمراجعة شروط وإجراءات التدريب من قبل السلطات العسكرية العراقية المختصة، وتخفيض نسبة الخطر إلى إحتمالات صفرية.
مداخلة الشاعر أحمد دحبور.
في رواية الشمس تولد من الجبل، رأيت كيف يتجنب الراوي صناعة أبطال وهمين، لأن أساطير موسى الشيخ هي أساطير حقيقة من لحم ودم، لكنه يخبرنا بأسماء أبطالها وأماكن وقوعها.
أولاً أود أن أشكر المناضلين (موسى الشيخ ومحمد البيروتي) الذين أتحفا المكتبة الفلسطينية والعربية بهذه الشهادة النوعية، وحاولت قراءة هذا الكتاب قراءة أدبية فرأيت بأنه عبارة عن كتابان.
الكتاب الأول.
إعداد المناضل لكي يكون مناضل وفدائي.
الكتاب الثاني.
التعامل مع المعتقل كأمر واقع لكي ينجز المناضل مشروعه الوطني.
ولعل صدور هذا الكتاب في هذا الوقت ينطوي على دلالة هامة، وهي نفس اللحظة التي يسجل فيها أسرى آخرون كسامر العيساوي بطولات حقيقة من خلال إضرابهم عن الطعام، ولمست فيه روحاً موضوعية وحيادية من قبل الراوي في سرد الوقائع التاريخية، ورأيت كيف يتجنب الراوي صناعة أبطال وهمين، لأن أساطير موسى الشيخ هي أساطير حقيقة من لحم ودم لكنه يخبرنا بأسماء أبطالها وأماكن وقوعها، سواء في المعارك أو في الأسر، ويسرد الراوي شهادته المثيرة عن معركة الكرامة بمنتهى الحياد والموضوعية، التي كان الصمود فيها بقرار من ياسر عرفات، والإنتصار بفضل عزيمة المقاتلين والتدخل الفعال من الجيش الأردني الذي برز فيه القائد (مشهور حديثة) عسكرياً محنكاً شجاعاً، كانت الشهادة أمينة يتخللها بعض النقد العملي من وجهة نظر لوجستية، لكنها شهادة نوعية من أرض الميدان.
ويخبرنا الراوي عن إنضمام الأمير الكويتي المعروف بلقب أبي الفهود إلى المقاتلين، والإنطباع الممتاز الذي تركه بتواضعه، وبسخائه فيما بعد، حين أوعز بإحضار مساعدات عينية قيمة، لقد عاش أبو الفهود مع المقاتلين حياة طبيعية ونجح في إنشاء علاقة ندية معهم، وقد خاض الأمير فهد الصباح، أبو الفهود معارك مشهودة في القطاع الأوسط، و يسرد الراوي حكايات مثيرة عن عمليات بطولية لرجال ظلوا مجهولين بسبب زهدهم بالشهرة، حتى إن أحدهم لم يعرف عنه أهله شيئاً إلا بعد سبعة عشر عاماً من إستشهاده.
إذاً نحن أمام نص فريد (رواية توثيقية) وهو برأي استكمال لمسيرة يجب أن تُتمم، رأينا مثلها تجارب هامة وغنية كتجربة الأخ المناضل توفيق فياض (المجموعة 778) الذي أتاح له الإعتقال أن يتعرف على المناضل فوزي النمر ويروي تجربته الفذة، كما فعل المرحوم الشاعر محمد القيسي الذي سجل تجربة أبي علي شاهين في كتاب فريد هو (الهواء المقنع)، ولا ننسى كتاب (بأم عيني) للمحامية اليهودية التقدمية فيليتسيا لانغر وشهادتها كمحامية ترافع إنتصاراً للعشرات من المناضلين الأسرى، وكتاب المناضلة عائشة عوده (ثمناً للشمس).
كلمة د. سمير شحادة.
في رواية الشمس تولد من الجبل، لم يخبرنا موسى الشيخ عن أدائه المميز في دورات التدريب على مدار عامين في معسكرات الجيش العراقي، بل أخبرنا أيضاً عن فتاة أحلامه التي إلتقاها في أحد البيوت العراقية الدافئة، التي إحتضنت هدفه الأسمى، ومن ثم شخصه الكريم.
في البداية أشكر الكاتبان على هذا العمل الهام، وأشكر مركز أبو جهاد على تكرمه بنشره، وإتاحته لنا هذه الفرصة لقراءته أولاً، ومناقشته ثانياً، لقد قرأت هذا الكتاب قبل يومين حرفاً حرفا، وسطراً سطرا، وقفز إلى ذهني أسئلة كثيرة حول ماهيته الأدبية والفنية، فهل هو نص واحد، أو مجموعة نصوص؟ أم رواية؟ ومدى حضور وإلتزام الكاتبان بجماليات اللغة؟ ومدى حضور المشاهد الإنسانية فيه؟ وأنا أصر بعد ذلك على أن أسميه كتاب.
وفي هذا الكتاب وجدت عملية توثيق وتأريخ لمجموعة هائلة من الأسماء والرموز النضالية داخل الأسر وقبله، وبعد إنتهائي من قراءته أغمضت عيني وحاولت أن أرى المكان الطبيعي الذي يتبوؤه هذا العمل من بين الكتب، فرأيت أمور لم أكن قد رأيتها حتى أثناء قراءتي الصارمة له، رأيت فيه ملامح للغة جديدة آخذه في التشكل هي أقرب ما تكون إلى لغة البوح، وهذا ما أراده الراوي موسى الشيخ، بكلمات بسيطة لكنها تتسلل إلى النفس البشرية بمنتهى اليسر وتترك فيها أثراً ظاهراً، ولعل هذا يشير إلى نجاح أولى لهذا العمل وهو قدرته على التأثير في نفس القارئ.
ورأيت الجانب الإنساني لدى الراوي وهو يشاهد جموع اللاجئين التي زحفت إلى عقربا من فلسطين المحتلة(1948م)، وتأثره البالغ بها، ولعل ذلك كان السبب الباطن، ولربما هو الذي دفع موسى الشيخ للسفر بحثاً عن الثورة.
وبعد مغادرته الكويت لم يخبرنا موسى الشيخ عن أدائه المميز في دورات التدريب على مدار عامين في معسكرات الجيش العراقي، بل أخبرنا أيضاً عن فتاة أحلامه التي إلتقاها في أحد البيوت العراقية الدافئة، التي إحتضنت هدفه الأسمى، ومن ثم شخصه الكريم، فأعجب ببنت البيت الكريم (نجوى الدليمي) وقد عقد العزم على خطبتها، لكن نداء الواجب فرض عليهما الفراق من فوق جسر المُسيب، لكن نجوى سكنت فؤاده رغم سنين البعاد الطويل، وها هو اليوم يخبرنا عنها كما لو إنه يعيش الواقعة في هذه اللحظة، وهذا برأي حالة من حالات الوفاء المقيم بين الشعبين العراقي والفلسطيني، وحالة صدق إنسانية خاصة وبالغة الأهمية والدلالة.
كلمة الأستاذ نبيل عمرو.
الشمس تولد من الجبل، هي عمل أدبي وإبداعي يُحيي الأمل في النفوس التي كادت تُطبق عليها قيود اليأس حلقاتها، وتُسعف الروح اليائسة بأمل النجاة من جحيم التحديات.
أولا أود أن أوجه شكري وتقديري للكاتبان، اللذان أتحفانا بهذا العمل الهام، وأوجه شكري إلى مركز أبو جهاد على طباعته لهذه الرواية، فعلى الرغم من إنني ممتنع عن القراءة في هذه الأوقات بناء على نصيحة أحد الأصدقاء بسبب تفرغي للكتابة، حيث قدم لي نصيحة من الممكن أن يستفيد منها الآخرون وهي "عندما تبدأ بكتابة نص ما، توقف عن قراءة أي نص آخر".
رغم ذلك قرأت هذه الرواية وأنا أتفق مع أخي أحمد دحبور في تحديده للجنس الأدبي الذي تنتمي إليه وهو (إنها رواية توثيقية تأخذ أساساً شكل الشهادة التاريخية قبل أي شيء)، ونحن نتحدث عن القراءة والكتابة أريد أن أعبر لكم عن حزني وألمي العميقان على تردي حالة ومستوى القراءة في الوطن، وأكاد أجزم بأن نسبة القراءة في بلادنا لا تتجاوز 1%، وإن حالة القراءة في الوطن تراجعت عما كانت عليه في الخارج إلى 90%، وهذا أمر محزن ومنذر بمزيد من الخيبات والتراجع على جبهة يفترض أن نتقدم عليها إلى بعد الصفوف الأمامية، وهي كارثة وطنية بكل المعايير، يحدث ذلك فوق أرض غنية بالتجارب والملاحم الإنسانية، ففوق كل متر من هذه الأرض أستشهد ستة شهداء أو أكثر، لكن ذلك لا نجد له أي صدى في المنتج الثقافي والإبداعي والفني، لذا علينا أن نعلي من جديد راية القراءة، ونحتفي بالكتاب كما نحتفي بالمولود الجديد لأياً منا.
ويتابع نبيل عمرو حديثه، قائلاً: " وأنت تقرأ هذه الرواية، تشعر بأنها جزء منك لأنها رواية إنسان فلسطيني ترك قريته (عقربا) التي كانت تُحترم فيها الأساطير كما تحترم الحقائق، وكان موسى الشيخ مرتاح البال راضياً بعيشه، لأنه إبناً لأحد أعيان عقربا وشيوخها الذين كانوا يعالجون الناس بالأدعية والتعاويذ، فكان يناديه أبناء البلدة بـ (يا إبن سيدي) لكنه ترك هذه المكانة الإجتماعية والدينية المرموقة وقرر الإلتحاق بقواعد التدريب العسكري الشاق في شرق العراق، وعاد إلى أرض الوطن متسلالاً عبر الحدود ويشتبك مع العدو ويقع في أسره، ويلتقي بزملائه في الأسر وصنعوا معاً ملحمة نضالية وإنسانية خالدة، وفي أتون هذا المسار الصاخب لمناضل يبحث عن المواجهة الدائمة مع المحتل، لم ينسى هتاف قلبه الفطري، فتعلق فؤاده بفتاة عراقية، ما زال على ذكرها إلى الآن، وها هو يخبرنا عن وجع بعاده عنها في هذا النص النادر، ليعبر كل ذلك برأي عن قمة التضحية والفداء، لماذا ( لأنه عندما تكون محباً، وتختار طريق الكفاح، فهذه هي قمة التضحية والعطاء) .
الشمس تولد من الجبل، هي عمل أدبي وإبداعي يُحيي الأمل في النفوس التي كادت تُطبق عليها قيود اليأس حلقاتها، وتُسعف الروح اليائسة بأمل النجاة من جحيم التحديات.
كلمة محمد البيروتي.
أود في الحقيقة توجيه شكري وتقديري لكل من حضر هذه الندوة، وللإخوة في مركز أبو جهاد على تنظيمهم لهذا اللقاء الدفيء، لنناقش فيه هذا العمل، الذي كان لي شرف مشاركة الأخ موسى الشيخ بإعداده وإنجازه، بعد الإصغاء العميق والمطول لحكايات وقصص (موسى الشيخ) وهو قامة نضالية عالية، طالما إعتززت وتباهيت بمعرفتي بها، ولعل مرد شكري هذا له وللإخوة من القادة العظام من جيل الرواد المؤسسون للحياة الحرة الكريمة داخل المعتقلات الإسرائيلية، إلى أمراً قد حصل معي بعد تحرري من الأسر، وهو إنني قد تعرضت للإعتقال في أحد (السجون) الأردنية، وفي ذاك السجن اللعين، أحسست بالفرق (الإعتقالي) يحيط بي من كل جانب، وربطت الليل بالنهار وأنا أقارن بين هذا (السجن) والمعتقلات التي مكثت فيها العديد من السنين، وقلت لنفسي ماذا لو كانت تلك المعتقلات مثل هذا (السجن)، فمن المؤكد بأنه كان للقضية الفلسطينية مصير مختلف، وأمست على نحو غير الذي هو عليه اليوم.
في هذه اللحظة وفي كل لحظة أمضيتها في ذاك (السجن) كانت فيها جميع حواسي منشغلة بكيفية الحفاظ على نفسي من المخاطر المحيطة بها، ومر أمامي طيف الشهداء الأسرى والقادة العظام كالأخ موسى الشيخ وأبو علي شاهين وأبو علي بسيسو وغيرهم كثيرون، لأنهم كانوا السبب في ذاك العيش الكريم داخل معتقلات الإحتلال، وهذا العيش هو الذي مكننا من محو أميتنا الثقافية والنضالية وتعلم القراءة والكتابة وتعلم اللغات.
قبل وبعد ذلك كم وددت أن يقرأ العالم، عن تجارب الحركة الوطنية الفلسطينية الأسيرة، وعن تجربة الأسير موسى الشيخ، قبل أن يوارينا الثرى وتختفي الحكايات التي جسدت تاريخنا الأكثر حداثة، وتختفي معها حقائق التاريخ كما أختفت حقائقه أو تكاد لما قبل النكبة وبعدها بقليل، نحاول أن نطلق تغريدتنا الأخيرة، الشمس تولد من الجبل، في رمزية المعنى لمرحلة صغيرة من مراحل الكفاح الوطني الفلسطيني بشخوصه الحقيقيين ووقائعه كما حثت، عبر إستعادة ذاكرة الراوي، أبن قرية عقربا.
وأود أن أوضح طبيعة علاقتي بهذا العمل، وهي نابعة من معرفتي المسبقة والعميقة بتجربة موسى الشيخ، وكم تمنيت سابقاً أن أرها كما ذكرت عملاً إبداعياً أو فنياً لائقاً، وفي العام 2011م، توفرت لي فرصة للجلوس في البيت والإستراحة من ضغط العمل، فبرز أمامي خياران، للتغلب على الفارغ الناشئ عن هذا الأمر، وهما الجلوس مقابل زوجتي في البيت، أو الجلوس أمام موسى الشيخ لكتابة سيرته، فأخترت الخيار الثاني وكانت نتيجة هذا الإختيار إنجاز رواية (الشمس تولد من الجبل) وهي الفترة التي فقد فيها الأخ موسى الشيخ بصرة تقريباً.
كلمة موسى الشيخ.
في البداية أشكر كل من حضر وشارك في نقاش هذه الرواية، وهو أمراً أثلج صدري، على الرغم من عدم تمكني من رؤية الحضور بكلتا عيني، لكنني أحس بحرارة حضوركم تحيط بي من كل جانب، وأحس بأنفاسكم الطيبة فرحة بهذه الرواية، وبهذه المناسبة ها هي تعود بي ذاكرتي إلى قصة حصلت معي في معتقل بئر السبع، ولها علاقة بالشمس، وسأرويها لكم من باب تعليلي لإختيار (عنوان الرواية)، وإنحيازي الدائم للشمس وشعاعها المنير.
بينما كُنت واقفاً ذات يوم على باب زنزانتي في معتقل بئر السبع، وقد أستبد بي الشرود ورفعني من مكاني وبت لا اشعر بمن يحيطون بي من بشر وجماد، وكان ذلك في الثلث الأخير من العام 1983م تقريباً، سمعت وأنا على هذه الحالة الشرطي المناوب في القسم يسأل الرفيق (على جده – أبو محمد) وكان ممثلاً للمعتقل، عني قائلاً له، ما به شارد الذهن؟ ويشير إلي، فسألني علي جده ما بك يا موسى؟.
قلت له على الفور، أريد أن أرى غروب الشمس، فدهش الشرطي من جوابي ومن طلبي، فتأثر ذاك الشرطي بما سمع، وقال لـ (علي جده) يمكنني أن إخرجه إلى خلف الأقسام بحجة إنه خارج لأعمال التنظيف، وهناك يمكنه رؤية الغروب، ولكن بسرعة، وبالفعل فتح لي الشرطي باب الزنزانة وخرجت إلى حيث يمكنني رؤية الغروب وكانت اللحظة مناسبة لذلك، وشاهدت الشمس وهي تختفي خلف أسوار المعتقل، ففرحت بذلك كفرح طفل عائدٌ من يوم مُثقل باللعب والفرح، وعدت إلى زنزانتي محلقاً على أجنحة عريضة من الغبطة والسرور، ولم أكن على علم بأن تلك الأيام كانت أيامي الأخيرة في المعتقل، وكانت تقربني من لحظة التحرر من الأسر، وكأن لحظة الغروب تلك كانت تنبئني ببشرى أفول أيام دفني في زنازين الظل والظلام.