جناح تاريخ و علماء الرياضيات

ستبدأ برحلة طويلة تمتد منذ  نشأت أُولى الحضارات في وادي النيل ” مصر”، أكثر الأماكن خصوبة في منطقة شمال إفريقيا، وفي بلاد ما بين النهرين (دجلة والفرات). وكانت الرياضيات إحدى مُخْرَجات هذه الحضارات.

كَتَبَ المصريون القدماء نظام أعدادٍ لغايات العدّ، بُنِيَ على رموزٍ مختلفة للآحاد والعشرات والمئات والأُلوف. وُجِدَت نقوشٌ من الأرقام المتسلسلة على جدار تحتمس الثالث في معبد الكرنك، مرورا بالبابليون حيث تَفوقوا على المصريين في الحساب و ابتكروا أول نظام ترقيم حديث.

اليونانيون أُنْشِأَتْ أقدم مدرسة في الرياضيات على يد فيثاغورس عام 500 قبل الميلاد في جنوب إيطاليا. وكانت تهتم بشكل خاص بدراسة خصائص الأعداد و قياس الأشياء وأعطت أهمية لأعداد التثليث 1، 3، 6، 10، 15 و الأعداد المربعة الكاملة 1، 4، 9، 16، 25. وقد انتقلت إلينا دراسة الأرقام المصوّرة من كتاب “الحساب” لِبُئِثْيُوسْ، وصولا الى عصر العولمة المثال الجيد على التعاون العالمي في عصرنا الحالي، وَيُعْتَبَرُ واحداً من أهمّ إنجازات الرياضيات في القرن العشرين، هو حَلُّ “نظرية فيرمات الكبرى”

تتوزع صور علماء الرياضيات في أرجاء المتحف، سَوفَ تَلْتَقي الناسَ الذين يعود إليهم الفضل في  هذا العلم الرائع يونانيون عرب ألمان هنود وغيرهم من شتى أرجاء العالم جمعتهم عقولهم الرياضية، ونظرياتهم الشاهد الحي على خلودهم.

1) فيثاغوروس

“كُلّ الأشياء أعدادٌ والكونُ كُلُّه مِقْياس.”

الفيلسوف، وعالم الرياضيات البحتة الأول. تأثّرَ فيثاغورس بالكهنةِ المصريينِ بشدة. أَسّسَ مدرسةً دينيةًًً أخلاقية سرية – mathematikoi – عاشَت حياة صوفية. رَبطوا الشخصيات بالأعداد – مذكرة أو مؤنثة، كاملة أو ناقصة، جميلة أو بشعة. بين العديد مِنْ إكتشافاتِهم في الحسابِ والهندسةِ وعِلْمِ الفلك، كَان وجودُ الأعدادِ غير النسبية ونظرية فيثاغورس. هم كَانوا أول من بَيَّنَ أن كوكب الزهرةِ في الصباحِ كَانَ تماماً مثل الزهرة في المساء.

 

2) أرخميدس

أعطِني عتلة طويلة بما فيه الكفاية، و نقطة إرتكاز أضعُها فيها، وأنا سَأُحرّكُ العالمَ.

ربما كان أعظم عالم رياضيات في العصر القديمِ. ويُقالُ أنّه عندما إكتشفَ قوانينَ الطفو، قَفزَ عارياً مِنْ حمّامِه، يصيح “وجدتها” في الشارع. إِكْتُشِفَت مخطوطة نادرة في ديرٍ في القدس، تحتَوي رسالةً من أرخميدس إلى إراتوستين، يُوضّحُ فيها طريقتَه في حساب الحجومِ، مُتَوَقِّعَاً حساب التفاضل والتكامل قبل 2000 سنة تقريباً. أمنيته الأخيرة، قبل قتله على يدّ جنديٍ روماني، كَانَت أَنْ يُنهي بَعْض الحساباتِ التي كَانَ يَقوم بها على الرمل.

3) الخوارزمي

“ما العدد الذي إذا أُضيف مُرَبَّعُه إلى عشَرٍة أَمْثالِ جَذْرِهِ، كان حاصل الجَمْعِ 39؟”

عالمٌ في “بيت الحكمةِ” الذي أَسّسَه الخليفة المأمون في بغداد، ترجمَ عن اليونانيين، وكَانَ كاتبَ أُطروحةِ مهمةِ عن المعادلاتِ “حسابُ الجبر والمقابلة”، والذي ظهرت فيه كلمة “الجبر” لأوَّلِ مرة. في كتابِه المشهورِ الثانيِ، عن الفَنِّ الهنديِ للحساب، عَمَّمَ الخوارزمي النظام العشري وقواعد الحساب. إنّ “خوارزميةَ-algorithm” كلمةَ مُشْتَقّةٌ مِنْ اسمِه.

4) عمر الخَيّام

“في عِلْمِ الجبر يواجِه الإنسان مسائِلَ تعتمد على بَعْض أنواعِ النظرياتِ الأولية الصعبةِ جداً.”

عُرِفَ بشكلٍ أكبر كمُؤلفٍ لنحوِ 600 قصيدةَ – رباعيّات الخيّام. كَانَ عالمَ رياضياتٍ وفلكي يَعْملُ تحت ظروفٍ صعبةٍ في عهد إمبراطوريةِ السلاجقة. حَسبَ طولَ السَنَةِ الشمسَية لأدَّقِّ بِضْع ثوانٍ، ووضع نظرية عامّة في المعادلاتِ التكعيبية. إدّعائه أنَّ مثل هذه المعادلاتِ لا يُمْكن أنْ تُحْلَّ بطرقٍ هندسيةٍ بالمسطرةً والمنقلة، أُثْبِتَ فقط مِن قِبل أبِل وجالويس في القرن التاسع عشر!

5) فيبوناتشي

“وَضعَ شخصٌ زوجاً من الأرانبِ في مكان محاطٍ بجدارٍ من كُلّ الجوانب. كم زوجاً من الأرانبِ يُمْكِنُ أَنْ يُنْتَجُ مِنْ ذلك الزوجِ في سَنَة، إذا إفْتُرِضَ أنّ كُلّ زوجٍ يُنجبُ زوجاً جديداً كلَّ شهر، علماً بأنَّ كلَّ زوجٍ يُصبحُ مُنْتِجاً مِنْ الشهرِ الثاني؟”

هذه المسألةٌ الشهيرة مثالُ للحالاتِ التي تظهر فيها سلسلة فيبوناتشي 1، 1، 2، 3، 5، 8، 13، 21، …. عَمِل في بيزا تحت رعاية فريدريك الثّاني (مؤسس جامعة نابولي، و ملك القدس الصليبي). كان فيبوناتشي مسؤولاً عن نشرالجبرِ والنظام العشريِ في أوروبا أثناء العصور الوسطى. إسهاماته في نظريةِ الأعداد لم يتفوق عليه أحدٌ فيها حتى ظهور فيرمات بعد 450 سنة.

6) فيرمات

محامٍ في طولوز كَانَ منشغلاً بنظريةِ الأعداد. كتب العديد مِنْ إكتشافاتِه العميقةِ في هوامشِ النسخة اللاتينية Arithmetica Diophantus. نظرية فيرمات الأخيرة التي أَصَّرَ فيها على أن “مجموع مُكَعَّبَيّ عددين صحيحين موجبين لا يُمكنُ أَنْ يَكُونَ مُكَعَّبَ عَدَدٍ صحيحٍ موجب، وهذا ينطبق على القوة الرابعة، والخامسة، الخ…”، حاول أجيالٌ من علماءِ الرياضيات إثْباتها، مِمّا أدّى إلى تَطَوُّراتٍٍ أساسيةٍ في نظريةِ الأعداد. وَأخيراً وجدَ أندرو والز برهاناً رائعاً، لكنّه طويلٌ ومعقّد، سنة 1995. يَبْدو أنّ فيرمات نفسه لم يمتلك برهاناً صحيحاً لنظريته!

7) نيوتن

“إن مَهَمّةَ تَوضيح كُلّ الطبيعة، صعبةُ جداً لإنسانٍ واحد… إنه من الأفضل كثيراً أن تَعمَلَ القليل الأكيد، وتَتْركَ البقيةَ للآخرين.”

لهذا فَسَّرَ نيوتن في الميكانيكا الجاذبيةَ وحركةَ الكواكبِ “فقط”. وفي البصرياتِ إكتشفَ طبيعةَ الضوءِ “فقط”. وفي الرياضياتِ إخترعَ “فقط” حساب التفاضل والتكامل (مع ليبِنتز الذي تشاجر معه دائماً). شخص صعبُ المراس، نيوتن كَانَ عبقرياً ذاتي التعليم. يُعْتَبَرُ كتابه “مبادئ الرياضيات- Principia Mathematica” أعظمَ كتابَ عِلْمِيٍّ كُتِب.

 

8) أويلر

“الآن أصبحت أقل إنشغالاً (عندما فقد البصرَ في عينِه اليمنى).”

وُلِدَ في سويسرا، إنتقلَ إلى سانت بيترسبيرغ في روسيا حيث إنضمَّ إلى فريقٍ مِنْ أعظم العلماءِ مِنْ جيله. وبالرغم من أنّ واجباته تَضمّنتْ مشاريعَ حكومية تتَعلّق ببناءِ سفن وفنّ رسم الخرائط وتطبيقات أخرى، فقد كانت إسهاماته الرئيسية في نظريةِ الأعداد والمعادلات التفاضلية والميكانيكا. الكاتب الأكثر غزارةً للإنتاج في الرياضياتِ في كل العصور، وصف أويلر نفسه كالرجل الأكثر سعادة في العالمِ، عندما لَقَّبهُ فردريك الأكبر “أستاذ الملك”.

9) جاوس “أمير الرياضيات”

“كَانَ لدي نَتائِجُي منذ وقتٍ طويل: لَكنِّي لا أَعْرفُ لغاية الآن كيف سَأَصِلُ إليها.”

أدهش معلميه وعُمره تسع سنوات عندما جَمعَ كُلّ الأعداد مِنْ 1 إلى 100 حين لاحَظَ أنّ المجموعَ كَانَ 50×101. لُقِّبَ “بأمير الرياضياتِ”، حيث قام بإكتشافاتٍ أساسيةٍ في نظريةِ الأعداد، والهندسة اللاإقليدية، والهندسة التفاضلية وعِلْم الفلك والمغناطيسية. لَمْ تَمْنعْه الحرب في أوروبا والموت في عائلتِه من تَحويل غوتّيغن إلى المركزِ الأكثر أهميةً للرياضياتِ، حتى الحرب العالمية الثانيةِ.

10) هِلْبَرْت

“يكمن الفَنُّ في التَّعامُلِ بالرياضياتِ، في إيجاد الحالةِ الخاصّةِ التي تَحتوي كُلّ مبادىء التعميم.”

أحد آخر العمالقةِ الذين عَملوا في كُلّ مجالٍ تقريباً، مِنْ المنطقِ إلى النسبيةِ، ركّزَ هِلْبَرْت جُهوده في مجالٍ واحدٍ كلَّ مَرّة . خطابه أمام المؤتمر الدولي لعلماءِ الرياضيات في باريس عام 1900، والذي إحتوى “مسائِلَهُ” الـ23 المشهورةَ، حدّد مسار الرياضياتِ في القرن العشرين. ساهمَ هِلْبَرْت في النزعة الرئيسية نحو التجريد، حيث تبدو الأمثلة المتباعدة أنّها تتبع قواعد مماثلة، مُنتِجَةً تراكيبَ جديدة، وحقولَ جديدةٍ للبحث.

 

11) إيمي نُودِر

“على كل حال، فإنّ المجلس الأعلى للجامعة، لَيسَ غرفةَ غيارٍ لملابس السباحة!”

هذا كَانَ رَدُّ هِلْبَرْت لأساتذةِ جامعةِ غوتّيغن الذين إعترضوا على تعيينِ إيمي كعضو هيئةٍ تدريسية على أساس أنَّها كَانتْ إمرأة. إبنةٌ لعالِم رياضيات، أصبحَت إيمي واحدةً من علماءِ الجبر البارزينَ في مطلع القرنِ العشرين، حين أصبح الجبر أكثرَ تَجَرُّداً وأكثرَ هندسيةً. رَبِحَت إيمي قضيّتها في النهاية، لكن كَونَها يهودية ويسارية، أجبرَها في النهاية للهُرُوب مِنْ ألمانيا إلى الولايات المتّحدة.

12) رامانوجان

“لا – إنّهُ عددٌ مثير جداً؛ إنَّهُ أصغرُ عدَدٍ يمكن التعبيرُ عنه كحاصل جمع مكعّبين بطريقتين مختلفتين.”

هكذا كان ردّه عندما قال له هاردي أنّه كَانَ يَرْكبُ سيارة أجرة رقم لوحتها 1729 وأشارَ إلى أنَّ هذا رقمٌ مُملٌ جداً. عبقري ذاتي التعلّم، سَمحَت له قدراتُه الحسابية الهائلة لأن يتَوَصَّل إلى إكتشافاتٍ مُدهِشةٍ في نظريةِ الأعداد. معاناته مِنْ المرضِ والفقر، دفعته إلى القدوم إلى كامبردج في إنجلترا، حيث بدأ مع هاردي تعاونَاً مثمرَاً جداً.

13) ڤون نيومان

“في الرياضياتِ: أنت لا تَفْهمُ الأشياءَ. أنت فقط تَتعوّدُ عليها.”

رائد في العديد مِنْ حقول الرياضياتِ، كان “جوني” مؤسس نظريةَ الألعاب وعِلْمَ الحاسوب النظري. ساهَمَ في الميكانيكا الإحصائية. تعلّم في هنغاريا وبرلين، ثمّ إنتقل عام 1930 إلى برِنْستون في الولايات المتّحدة الأمريكية، حيث أجرى مَع مهاجرين أوروبيينِ آخرين أبحاثَهُ في معهدِ الدِّراساتِ المتقدّمة. في عام 1945 صمّمَ واحداً من أوّل الحواسيب، “آلة ﭭون نيومان”.

Al-Quds University